رفضت الجهة المختصة بدفن الموتى في إحدى الإمارات السماح لذوي امرأة فلسطينية مقيمة فيها، توفيت إثر إصابتها بالسرطان، بدفن جثتها في مقبرة، على اعتبار أن المقبرة المخصصة للوافدين هي في منطقة أخرى، وعند توجه ذويها إلى تلك المقبرة، رُفض طلبهم بدفنها هناك، كون إقامتها صادرة من إمارة أخرى...»، أواه يا أمي!... لا أعلم من الموظف (المحترم) الذي يصر على اتباع الأوامر، رافضاً الانصياع لأوامر الموت وجبروته وقسوته... وغير مبالٍ بآلام السرطان التي حتماً لم تكن السبب الحقيقي في سفر المريضة، بل سافرت لكثرة ما آلمتها أوجاع التهويد والسرطان الاستيطاني والصمت العربي المشبوه!! أواه يا أمي... يا من كنت تحلمين بقبر بسيط في أرض المعراج...
وبين خيانات الأسلحة الفاسدة والزيارات السرية ومعاهدات السلام... رأيت أرضك البكر تصغر شيئاً فشيئاً... حتى لم يعد لك فيها قبر... ففتحنا أيدينا وقلوبنا وأراضينا مستقبلين لك... ولكن خطأ موظف مسؤول لم يفهم أنك الآن والآن فقط تدخلين لأرضنا بشكل شرعي...
عجز العرب (الثوار) في الماضي أن يجعلوا لك قبراً بين أشجار الزيتون وعلى سفوح الجبال الشم... عجزوا في الماضي أن يكفنوك في العلم الذي نعرفه جيداً لأنه علمنا ولا فرق إلا بين مثلث ومربع... ضلع أعوج وهو الفرق بين أنوثتك الرجولية ورجولتنا المستأنثة!!
واليوم يريد بعض الموظفين أن يثبتوا أن الفروق موجودة حتى في الموت... وأن الأوراق هي التي تحدد مكان قبرك الصحيح... من يعلم؟ ربما سيكون لها في القريب العاجل أرقام... وربما ستكون أرقاماً مميزة ذات فئات...
ولكن أمنا الفلسطينية التي عاجلها السرطان لن تحصل على رقم مميز أبداً... لأنها كما هي مأساتها في الحصول على قبر... ستتكرر مأساتها في الحصول على رقم مميز، ربما لأنها لا تحمل أوراقاً تكفي لاستصدار ملكية قبر... أو ربما لخشيتها أن تقوم السلطات في الكيان المزعوم بمصادرة قبرها، كما صادرت قبل ذلك منزلها وبيارتها وأحلامها جميعاً...
يا سيدي مسؤول المقبرة... ليتك تسمح لي بأخذ الجثة من ذويها...
لعلي أضعها في حديقة منزلي... وأزرع حولها بضع شجيرات زيتون وشجرة برتقال وعدداً من أشجار التين... لعلي أقرأ لها سورة الإسراء بعد كل صباح... ربما تستيقظ ذات ليلة لتفاجأ بأن كل ما جرى في سنواتها الـ 62 منذ عام 48 لم يكن سوى كابوس...
أو ربما نستيقظ نحن!!